الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات ***
يا من كل يوم يقدم إلى القبر فارط، لا تغتر بالسلامة فربما قبض الباسط، انهض للنجاة بقلب حاضر وجأش رابط، قبل أن يلقيك على بساط العجز خابط، ونفس النفس تخرج من سم إبرة خائط. قل للمؤمل إن المـوت فـي أثـرك *** وليس يخفى عليك الأمر من نظـرك فيمن مضى لك إن فكرت معتـبـر *** ومن يمت كل يوم فهو مـن نـذرك دارٌ تسافر عنها مـن غـدٍ سـفـراً *** فلا تؤب إذا سافرت مـن سـفـرك تضحي غداً سمراً للذاكـرين كـمـا *** صار الذين مضوا بالأمس من سمرك إخل بنفسك في دار المعاتبة، واحضرها دستور المحاسبة وارفع عليها سوط المعاقبة وإن لم تفعل خسرت في العاقبة: خلقت جسماً ثرياً ثم زرت ثـرى *** فصرت خطاً وطالت مدة فمحى قف بالمنازل من عادٍ وغيرهـم *** فما ترى ثم من شخصٍ ولا شبح كلٌّ مُجازى بما أسداهُ من حسـن *** وسيء فاهجر السوء آت وانتزح لقد وعظك أمس واليوم وأنت من سنة إلى نوم ، أين العشائر؟ أين القوم؟ اشتراهم البلى بلا سوم، لا فطر عندهم ولا صوم، بلى بلابل العتاب واللوم هذا رشاش الموج ينذر بالعوم ويخبر بالحادثات أشمامها والروم. اغتنم صفو الليالـي *** إنما العيش اختلاس تلبس الدهر ولكـن *** متعة ذاك اللبـاس يا جامع الحطام ولا يدري ما جنى، كلما نقض الواعظ أصلاً من حرصك بنا، بادر الفوت فإن الموت قد دنا، هذا يشير القبول: إياك عني النثار كثير فما هذا الوقوف والونى؟ أمدد يد الصدق وقد نلت المنى، هذه الخيف وهاتيك منى، أما تهزك هذه المواعظ؟ أيها المهزوز أما يوقظك الصريح؟ ولا المرموز أما كل وقت عود الهلاك؟ مغموز أما كل ساعة غصن؟ مقطوع ومحزوز، أما تراهم بين مدفوع وموكوز كل أفعالك إذا تأملت ما لا يجوز، أين أرباب القصور؟ أين أصحاب الكنوز؟ هلك القوم وضاع المكنوز وحيز في حفرة البلى من كان للمال يحوز، بينا تغرهم الإناءة وقعت النواة في الكوز أين كسرى أين قصير أين فيروز؟ عروا عن الأكفان وما كانوا يرضون الخزوز، وأبرز الموت أوجهاً عز عليها البروز، وساوى بين العرب والعجم والنبط والخوز، ونسخ بحسرات الرحيل لذات النيروز، وكشف لهم نقاب الدنيا فإذا المعشوقة عجوز، ما رضيت إلا قتلهم وكم تدللت بالنشوز، لقد أذاقتهم برد كانون الأول فأذاهم في تموز، وإنما قصدت غرورهم لتقتلهم في كالوز. واعجباً، بحر الوجود قد جمع الفنون: العلماء جوهره، والعباد عنبره، والتجار حيتانه والأشرار تماسيحه والجهال على رأسه كالزبد، فيا من يجري به على هواه وهو عليه كالقفيا قف يا قفيا، كم تحضر مجلساً وكم تتردد؟ وكم تخوف عقبى الذنوب وكم تهدد؟ يا من لا يلين لواعظ وإن شدد، يا راحلاً عن قريب ما عليها مخلد، تلمح قبرك لا قصرك المشيد وتعلم أن المطلق إذا شاء قيد، أترى تقع في شركي؟ فإني جئت أتصيد، يا من يسأل عن مراتب الصالحين مالك ولها؟ تساوم في راحلة وما تملك ثمن نعل تجمع من جوانب الحافات خبازى وتريد أن تطعم أخضر، تطلب سهماً من الغنيمة وما رأيت الحرب بعينك. يحاول نيل المجد والسيف مغمد *** ويأمل إدراك العلى وهو نائم البلايا تظهر جواهر الرجال، وما أسرع ما يفتضح المدعي. تنام عيناك وتشكو الهوى *** لو كنت صباً لم تكن نائما رأى فقير في طريق مكة امرأة فتبعها فقالت: مالك؟ فقال: قد سلب حبك قلبي. قالت: فلو رأيت أختي؟ فالتفت فلم ير أحداً. فقالت: أيها الكاذب في دعواه، لو صدقت ما التفت: والله لو علمت روحي بمن علقـت *** قامت على رأسها فضلاً عن القدم إذا كنت تشتغل اليوم عنا بسوداء فكيف تذكرنا إذا أعطيناك الحور؟ يا مؤثراً ما يفنى على ما يبقى هذا رأى طبعك هلا استشرت عقلك لتسمع أصح النصائح، من كان دليله البوم كان مأواه الخراب، ويحك، اعزم على مجنون هواك بعزيمة فرب شيطان هاب الذكر، تلمح غب الخطايا لعله يكف الكف، لا تحتقرن يسير الطاعات فالذود إلى الذود إبل، وربما احتبج إلى عويد منبوذ، لا تحتقرن يسير الذنب فإن العشب الضعيف يفتل منه الحبل القوي فيختنق به الجمل المغتلم أو ما نفذت في سدسبا؟ حيلة جرد من عرف شرف الحياة اغتنمها، من علم أرباح الطاعات لزمها، العمر ثوب ما كف، والأنفاس تستل الطاقات، كم قد غرقت في سيف سوف، سفينة نفس. يا هذا، أنت أجير وعليك عمل فإذا انقضى الشغل فالبس ثياب الراحة، قال رجل لعامر بن عبد قيس: كلمني فقال: أمسك الشمس. دخلوا على الجنيد عند الموت وهو يصلي فقيل له في هذا الوقت؟ فقال الآن تطوى صحيفتي: حثوا المطى فهذه نجـد *** بلغ المدى وتجاوز الحد يا حبذا نجد وساكـنـه *** لو كان ينفع حبذا نجـد يا ديار الأحباب أين السكان؟ يا منازل العارفين أين القطان؟ يا أطلال الوجد أين؟ أين البنيان؟ تعاهدتك العهاد يا طـلـل *** خبر عن الظاعنين ما فعلوا فقال ألا اتبعـتـهـم أبـدا *** إن نزلوا منزلاً وإن رحلوا تركت أيدي النوى تقودهـم *** وجئتني عن حديثهم تسـل رحل القوم يا متخلف وسبقوك بالعزائم يا مسوف، فقف على الآثار وقوف متلهف، وصح بالدمع سر يا متوقف. للشريف الرضي: يا قلب جدد كـمـدا *** فموعد البـين غـدا لم أر فرقاً بعـدهـم *** بين الفراق والردى يا زفرةً هـيجـهـا *** حاد من الغور حدا أرعى الحُمول ناظراً *** أو أُلزم القلـبَ يدا وأطرد الطرف على *** آثارهم ما انطـردا مذ أوقدوا بأضلعـي *** حر الجوى ما بـردا ومذ إذا أبوا ماء عيني *** للأسى ما جـمـدا كنتُ أداوي كـبـدي *** لو تركوا لي كبـدا أخواني: المفروح به من الدنيا هو المحزون عليه، وبقدر الالتذاذ يكون التأسف، ومن فعل ما شاء لقي ما ساء. مال ما كان المنى ما آلمـا *** صار ما أوصلته قد صارما بينما أضحك مسـروراً بـه *** سال ماء العين إذا ما سالما الدنيا فلاة فلا تأمن الفلاة، بل تيقن أنها مارستان بلا، ولا تسكن إليها وإن أظهرت لك الولا، على أنها تخفض من علا، فلينظر الإنسان يمنة فهل يرى إلاّ محنة؟ ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة؟ أما الربع العامر فقد درس وأما أسد الممات ففرس وأما الراكب فكبت به الفرس وأما الفصيح فاستبدل الخرس وأما الحكيم فما نفعه إن احترس، ساروا في ظلام ظلمهم ما عندهم قبس ووقفت سفينة نجاتهم لأن البحر يبس، وانقلبت دول النفوس كلها في نفس وجاء منكر بآخر نبأ، ونكير بأول عبس أفلا يقوم لنجاته؟ من طال ما جلس. آه، لنفس رفلت من الغفلة في أثوابها فثوى بها الأمر إلى عدم ثوابها، آه لعيون أغشاها الأمل فسرى بها إلى سرابها، آه، لقلوب قلبها الهوى عن القرآن إلى أربابها فربا بها، آه لمرضى علم الطبيب قدر ما بها، وقد رمى بها، لأبي العتاهية: يا نفس ما هو إلا صـبـر أيام *** كأن مدتها أضغـاث أحـلامِ يا نفس جوزي عن الدنيا مبادرة *** وخل بها فإن العيش قدامـي يا مغرورين بحبة الفخ ناسين خنق الشرك، تذكروا فوات الملتقط مع حصول الذبح "فلا تغرَّنَّكُم الحياة الدنيا" الحذر الحذر من صياد يسبق الطير إلى مهابطه بفخاخ مختلفة الحيل، قدروا أنكم لا ترون خيط فخة، أما تشاهدون ذبائحه؟ في خيط "كما أخرج أبَوَيْكُم من الجنة". للشريف الرضي: يا قلب كيف علقت في أشراكهم *** ولقد عهدتك تفلت الأشـراكـا لا تشكون إلى وجدا بـعـدهـا *** هذا الذي جرَّتْ علـيك يداكـا ألا يصبر طائر الهوى عن حبة مجهولة العاقبة، وإنما هي ساعة ويصل إلى برج أمنه. وفيه حبات: فإن حننت للحمى وطـيبـه *** فبالغضا ماء وروضات أخر واعجباً أن يكون حامل الكتاب من الطير أقوى عزيمة منك، لعل وضعك على غير الاعتدال، الخلق يدل على الخلق، لا تكون الروح الصافية إلا في بدن معتدل ولا الهمة الوافية إلا لنفس نفيسة، لا يصلح لحمل الرسائل إلا الطير الأخضر أو الأنمر، لأنه إذا كان أبيض، كان كالغلام الصقلاني، والصقلاني فطير خام لم ينضج في محل الحمل، وإذا كان الطائر أسود دل على مجاوزة حد النضج إلى الاحتراق، فإن اعتدل اللون دل على نفاسة النفس وشرف الهمة، فحينئذٍ يعرف الطائر سر الجناح فيقول بلسان الحال: عرفوني الطريق بتدريج ثم حمّلوني ما شئتم، فإذا أدرج فعرف حمل فحمل فصابر الغربة. ولازم بطون الأودية وسار مع الفرات أو دجلة فإن خفيت الطريق تنسم الرياح وتلمح قرص الشمس وتراه مع شدة جوعه يحذر الحب الملقى خوفاً من دفينة فخ، يوجب تعرقل الجناح وتضييع المحمول فإذا بلغ الرسالة، أطلق نفسه في أغراضها داخل البرج. فيا حاملي كتب الأمانة إلى عبادان العبد أكثركم على غير الجادة وما يستدل منكم من قد راقه حب حب فنزل ناسياً ما حمل فارتهن بفخ قد نفخ فذبح، ومنكم من بان لتعرقل جناحه، وما قصده الذابح بعد فلا الحبة حصّلت ولا الرسالة وصلت. قطاة غرها شرك فـبـاتـت *** تجاذبه وقد علق الـجـنـاح فلا في أغيل نالت ما تمنـت *** ولا في الصباح كان لها براح لو صابرتم مشقة الطريق لانتهى السفر، فتوطنتم مستريحين في جنات عدن، فيا مهملين النظر في العواقب سلفوا وقت الرخص فما يؤمن تغير السعر، سلسلوا سباع الألسن فإن انحلت افترستكم، لا ترموا بأسهم العيون ففيكم تقع، رب راعي مقلة أهملها فأغير على السرح، من رأى الحقائق رأى عين غض طرفه عن الدارين، لو حضرتم حضرة القدس لعقبتم بنشر الأنس. اطلبوا لأنفسـكـم *** مثل ما وجدت أنا قد وجدت لي سكنا *** ليس في هواه عنا إن بعدت قربتـي *** أو قربت منه دنا يا هذا اعرف قدر لطفنا بك وحفظنا لك، إنما نهيناك عن المعاصي صيانة لك لا لحاجتنا إلى امتناعك، لما عرفتنا بالعقل حرمنا الخمر لأنها تستره، ومثل يوسف لا يخبأ، يا متناولاً للمسكر لا تفعل يكفيك سكر جهلك فلا تجمع بين خليطين، اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عنه، وشكرك لمن تعنيك نعمه، وطاعتك لمن لا ترجو خيراً إلا منه، وبكائك على قدر ما فاتك منه، وارفع إليه يد الذل في طلب حوائج القلب تأتي وما تشعر. يا هذا عندك بضائع نفيسة دموع ودماء، وأنفاس وحركات وكلمات ونظرات فلا تبذلها فيما لا قدر له، أيصلح أن تبكي لفقد ما لا يبقى؟ أو تتنفس أسفاً على ما يفنى، أو تبذل مهجة لصورة عن قليل تمحى أو تتكلم في حصول ما يشين ويتوى، واعجباً. من مجنون بلا ليلى ويحك دمعة فيك تطفي غضبنا، وقطرة من دم في الشهادة تمحو زللك، ونفس أسف ينسف ما سلف وخطوات في رضانا تغسل الخطيّات، وتسبيحة تغرس لك أشجار الخلد ونظرة بعبرة تثمر الزهد في الفاني ولكن تصحيح النقد شرط في العقد سلع "وإني لغفار" لا تباع إلا بدينار "لمن تاب" إذا كان خارجاً من سبيكة "وآمن" عن سكة "وعمل صالحاً" من دار ضرب "ثم اهتدى". يا هذا: لو استشعرت زرمانقة الزهد تحت مطرف "رب أشعث أغبر" وسحت في بادية "يدفعون" لأفضنا عليك خلع "إذا رأوا ذكر الله" يا هذا إن لم تقدر على كثرة العمل فقف على باب الطلب تعرض بجذبة من جذبات الحق ففي لحظة أفلح السحرة. لا تجزعن من كل خطب عرا *** ولا ترى الأعداء ما تشمـت يا قوم بالصبر ينال المـنـى *** إذا لقيتم فـئة فـاثـبـتـوا طريق الوصول صعبة وفي رجلك ضعف، ويحك دم على السلوك تصل، أول النخلة السحوق فسيلة، بداية الآدمي الشريف مضغة، ثمن المعالي جد الطلب والفتور داء مزمن، بلد الرياضة سحيق "لم تكونوا بالغيه إلا بشقِّ الأنفس" سحابة الصيف أثبت من قولك والخط على الماء أبقى من عهدك. من السلوة في عين *** يك آيات وآثــار أراها منك بالذهـن *** وفي الألباب أبصار إذا ما برد القـلـب *** فما تسخنه الـنـار يا هذا، إذا حضر قلبك فنسيم الريح يذكرك، وإن غاب فمائة ألف نبي لا يوصلون التذكرة إليك، تالله لقد ألمعنا المعنى وما ألزمنا الزمنى. ولي بألف باب قد عرفت سبيله *** ولكن بلا قلب إلى أين أذهب يا من يرحل في كل لحظة عن الدنيا مرحلة، وكتابه قد حوى حتى قدر خردلة، كن كيف شئت؟ فبين يديك الحساب والزللة، يا عجباً من غفلة مؤمن بالجزاء والمسئلة أيقين بالنجاة؟ أم غرور وبله. تبنى وتـجـمـع والآثـار تـنـدرس *** وتأمل اللبث والأرواح تـخـتـلـسُ ذا اللب فكر فما في الخلد من طمـع *** لا بد ما ينتهـي أمـر وينـعـكـسُ أين الملوك وأبناء الـمـلـوك ومـن *** كانوا إذا الناس قاموا هيبة جلـسـوا ومن سيوفهم فـي كـل مـعـتـرك *** تخشى ودونهم الحجـاب والـحـرس أضحوا بمهلكة في وسط معركة موتى *** وماشى الورى من فوقـهـم يطـس وعمهم حـدث وضـمـهـم جـدث *** باتوا وهم جثث في الرمس قد حبسوا كأنهم قط ما كـانـوا ولا خـلـقـوا *** ومات ذكرهم بين الـورى ونـسـوا والله لو نظرت عيناك ما صـنـعـتْ *** يد البلـى بـهـم والـدود يفـتـرس من أوجه ناظرات حار نـاظـرهـا *** في رونق الحسن منها كيف تنطمـس وأعظم بـالـيات مـا بـهـا رمـق *** وليس تبقى لهذا وهي تـنـتـهـس والسـن نـاطـقـات زانـهـا أدب *** ما شانها شانهـا بـالآفة الـخـرس ثلتهم الـسـن لـلـدهـر فـاغـرة *** فاها فاها لهم إذ بالـردى وكـسـوا عروا عن الوشي لما ألبسـوا حـلـلاً *** من الرغام على أجسادهم وكـسـوا حتام يا ذا النهي لا ترعوي سـفـهـاً *** ودمع عينك لا يهمـي وينـبـجـس أيها المطمئن إلى الدنيا وهي تطلبه بدخل، قد مرضت عين بصيرته فيها، فما ينفع الكحل، يتبختر في رياضها وما يصبح إلا في الوحل، انتبه للرحيل. ثم اشدد الرحل، واستبدل خصب المراب. عن قحل المحل، وتأمر على نفسك. فللنخلل فحل. اترك الشر ولا تأمن بشـر *** وتواضع إنما أنت بـشـر هذه الأجسام ترب هـامـد *** فمن الجهل افتخار وأشـر جسد من أربع يلحظها سبعة *** من فوقها في إثني عشـر في حياة كخـيال طـارق *** شغل الفكر وخلاك ومـر تالله لقد كشفت الغير ما انسدل، فلم يبق مراء ولا جدل، هذا حمام الحمام قد هدل، فكم صرخ صوته وكم جدل، يا جائرين احذروا ممن إذا قضى عدل، واعلموا أن الآخرة ليس منها بدل، هذا هو الصواب، لو أن المزاج اعتدل، يا من عمره كزمان الورد، التقط واعتصر لا في زور، يا شمس العصر على القصر، قد بلغ مركبك ساحل الأجل، ووقف بعيرك. على ثنية الوداع، وقاربت شمس عمرك الطفل، وبقي من ضوء الأجل. شفق، فاستدرك باقي الشعاع. قبل غروب الشمس. أُيُنفَق العمرُ في الدنيا مجازفةً *** والمال يُنفق فيها بالمـوازين البدار البدار. قبل الفوت، الحذار الحذار. قبل الموت، ما في المقابر من دفين. إلا وهو متألم من سوف. يا هذا متى تبت بلسانك، وما حللت عقد الإصرار من قلبك، لم تصح التوبة، كما لو سكنت الأمراض بغتة من غير استفراغ، فإن المرض على حاله. يا هذا: إذا لم يتحقق قصدُ القلب. لم يؤثر النطق باللفظ، إن المكره على اليمين. لا تنعقد يمينه. "إنما الأعمال بالنيّات" وقلبه كله مع الهوى، "إن في البدن لمضغة. إذا صلحَتْ صلح البدن، وإذا فسدَتْ فسد البدن، ألا وهي القلب" أكثر الأمراض. أمراض الهوى، وأكثر القتلى بسيفه، أرباب الهوى، أطفال في حجور العادات وإن شابوا، انحدرت عزيمتك. في جريان نهر الهوى، فاصبر صبر مداد. لعلك تردها. ويحك. انتبه لإصلاح عيوبك، لعل المشتري يرضى، تالله. إن المشتري ما يحب بطء زحل، اكفف ثوب الكلام بالصمت. وإلا تنسل، اطف حراق الهوى. وإلا عمل، ارفق بزجاج العمر. فما ينشعب إذ انكسر. واعجباً، الظاهر غير طاهر، والباطن باطل، الأمل بخار فاسد، الرعونة علة صعبة، منام المنى أضغاث، رائد الآمال كذوب، مرعى المشتهي هشيم، العجز شريك الحرمان، التفريط مضارب الكسل، ديجور الجهل معتم، سؤر الهوى مغرق، روض اللهو وبى، غدير اللذات غدر. ظللتُ أكرُّ عليه الرقى *** وتأبى عريكته أن تلينا كم قد لمتك وما نفع، كم قد نصبت لك شركاً وما تقع، قفل قلبك رومي. ما يقع عليه فش. يا هذا: المجاهدة حرب. لا يصلح لها إلا بطل، متى تغير من جنود عزمك على الإنابة قلب واحد، لم أمن قلب الهزيمة عليك. وإذا كان في الأنابيب خـلـفٌ *** وقع الطيش في رؤس الصعاد أيها المريد. تلطّف بنفسك في الرياضة تصل، مشي القطا بدبير، ومشي العصفور نقزان، العنكبوت الفطن ينسج في زاوية، والمغفل ينسج على وجه الأرض، كن قيماً على جوارحك، وفِّها الحظوظ، واستوف منها الحقوق، أما ترى حاضن البيض يقلبه بمنقاره، لتأخذ كل بيضة حظها من الحضن، ثم أكثر ساعات الحضن على الأنثى، لاشتغال الذكر بالكسب، فإذا صار البيض فراخاً كان أكثر الزق على الأب، "فلا يُخرجَنَّكُما من الجنة فتشقى" ما لقيت حواء عشر ما لقي آدم، لأنها وإن شاركته في العلم بفقد صورة النعيم، فهو منفرد عنها بملاحظة المعنى، بعد عز "اسجدوا لآدم" يقبض جبريل على ناصيته للإخراج، والمدنف يقول ارفق بي: يا سابق البكرات استبق فضلتهـا *** على الغوير فظهر الفكر معقور كان يتوقف في خروجه لو ترك، ويتشبث بذيل لو نفع، ولسان الأسى، يصيح بمن أسا: تزود من الماء النقاخ فلن تـرى *** بوادي الغضا ماءاً أنقاخاً ولا بردا ونل من نسيم البان والرند نفـحة *** فهيهات واد ينبت البان والرنـدا وكر إلى نجد بـطـرفـك إنـه *** متى تسر لا تنظر عقيقاً ولا نجدا ما زال مذ نزل، يرفع قصص الغصص، على أيدي أنفاس الأسف، فتصعد بها صعداء اللهف: ألا يا نسيم الريح من أرض بابل *** تحمل إلى أهل الحجاز سلامي وإني لأهوى أن أكون بأرضهم *** على أنني منها استفدت سقامي واعجباً من فاق آدم، بلا معين على الحزن، هوام الأرض لا تفهم ما يقول، وملائكة السماء عندها بقايا "أتجعل" فهو في كربة، وحيد بدار غربة: ألا راحم من آل ليلى فأشتكي *** غرامي حتى يكل لسـانـيا أخواني: أيام العافية غنيمة باردة، وأوقات السلامة لا تشبهها فائدة، فتناول ما دامت لديك المائدة، فليست الساعات الذاهبات بعائدة. مضى أمسك الماضي شهيداً معدلا *** واتبعـه يوم عـلـيك شـهـيد فإن تك بالأمس اقترفـت إسـاءة *** فبادر بإحسـان وأنـت حـمـيد ولا تبق فعل الصالحات إلى غـد *** لعل غداً يأتـي وأنـت فـقـيد إذا ما المنايا أخطأتك وصـادفـت *** حميمك فاعلم أنهـا سـتـعـود كأنكم بالقيامة قد قامت، وبالنفس الأمارة بالسوء، قد لامت، وانفتحت عيون. طال ما نامت، وتحيرت قلوب العصاة وهامت. غداً توفى النفوس ما كسبـت *** ويحصد الزارعون ما زرعوا إن أحسنوا أحسنوا لأنفسـهـم *** وإن أساءوا فبئس ما صنعوا شبكة الحساب ضيقة الأعين. لا يعبرها شيء، وكيل المطالبة خصم ألد، أينطق بأقل عذرك بين يدي سحبان المناقشة، كلا أيقن بالسجن، يا هذا، إنك لم تزل في حبس، فأول الحبوس صلب الأب، والثاني بطن الأم، والثالث القماط، والرابع المكتب، والخامس الكد على العيال، والسادس الموت، والسابع القبر فإن وقعت في الثامن. نسيت مرارة كل حبس. يا هذا، ادخل حبس التقوى باختيارك أياماً. ليحصل لك الإطلاق في الأغراض على الدوام، ولا تؤثرن إطلاق نفسك فيما تحب، فإنه يؤثر حبس الأبد في النار، إلى متى تسجن عقلك في مطمورة هواك؟ أو يحبس طاوس في ناووس؟ ويحك. تفكر فيما بين يديك، وقد هان الصبر عليك، لما خفيت العواقب على المتقين، فزعوا إلى القلق، وأكثروا من البكاء، فعذلهم من يشفق عليهم، وما يدري العاذل، إن العذل على حمل الحزن علاوة. قيل لبعض العباد: لم تبكي؟ قال: إذا لم أبك فما أصنع؟ ما كان يقرأ واش سطر كتمانـي *** لو أن دمعي لم ينطقْ بـتـبـيانِ ماء ولكنه ذوب النـفـوس وهـلْ *** ماء تـولّـده مـن حـر نـيرانِ ليت النوى إذ سقتني سُمَّ أسودهـا *** سدت سبيل امرئ في الحب يلحان قد قلتُ بالجزع لما أنكر واجزعي *** ما أبعد الصبر ممن شـوقـه دانِ عجنا على الربع نستسقي له مطراً *** وفاض دمعي فأرواه وأظمانـي قوي حصر الخوف فاشتد كرب القوم، فكل ما هب نسيم من الرجاء ولوا وجوههم شطره: يا طرباً لنـفـحةٍ نـجـديةٍ *** اعدل حرَّ القلب باستبرادها وما الصبا ريحي لولا أنهـا *** إذا جرتْ مرَّتْ على بدلاها عبارة النسيم لا يفهمها إلا الأحباب. وحديث البروق. لا يروق إلا للمشتاق: ومرنح فَطَنَ النسـيمُ بـوجـده *** غروى له خبر العذيب معرضا العارف غائب عند ذكر الدنيا، وحاضر عند ذكر الأخرى وطائش عند ذكر الحبيب، يحضر المجلس موثقاً بقيود الهم، فإذا ذكر الحبيب قطع الوجد السلاسل، إن مداراة قيس تمكن، ولكن لا عند ذكر ليلى. للخفاجي: رمتْ بالحمى أبصارها مطمئنةً *** فلما بدتْ نجدٌ وهبت جنوبهـا بخلنا عليها بالبرى فتقطـعـتْ *** وقل لنجد لو تفرت قلوبـهـا لو برزت ليلى ليلاً، لصار الظلام عند قيس، أوضح من ضحى: إذا ما ونت نادى بها الشوق فانبرت *** تجد ومن نادى به الشوق أسرعـا من سمع ذكر الحبيب. ولم يثر قلبه عن مستقره فهو مدع. للمهيار: إذا ذُكر المحبوب عند مُحبـه *** ترنّح نشوانٌ وجن طـروبُ إذا قيل مي لما يسعى لذكرها *** خباء ولم يحبس بكاي رقيبُ كلامي صحيح المزاج، خفيف الروح، أنا صايغ صانع، بابلي لفظي يبلبل، أنا ماشطة القوم، أنا لسان الوقت: فكأنَّ قِساً في عكاظ يخطـب *** وكأنَّ ليلى الأخيلية تـنـدب وكثير عزة يوم بين يطـنـب *** وابن المقفع في اليتيمة يُسهِبُ أنا طبيب لبيب. أمزج التحذير بالتشويق للعاملين، وأجعل كأس التخويف. صرفاً للغافلين، وأجتهد في التلطف. جهدي بالعارفين، الخام يعجب البدوي، وأما الحضري فدق مصر، الأدوية الحادة. تؤذي الأبدان النحيفة، الزاهد ملاح الشط، والعارف ناتاني المركب. الزاهد مقتب، والعارف في محمل، نفس الزاهد تسير به، وقلب العارف يطير به، العارف حال في الرحمة، غريب في الوطن، خلوته بمعروفه طوره، متى تقاضاه الشوق. حضر لا عن ميعاد، إذا وطى بساط الإنبساط. قال "أرني" فإذا سمع صاعقة الهيبة. قال "تبت إليك" ويأبى الجور أن أسر الهوى *** إذا امتلأ القلب فاض اللسان إذا رأيتم ناطقاً بالحكمة قد طرب، فاعذروه، وإنه قد صدر ولم تردوا بعد، العالم المحقق. قد اعتصر من كروم المعارف، خندر يس المعاني، فشرب منها حتى غلب، فإذا عربد بالطرب. فلم يعذره الصاحي. أمر ساقي النطق. أن يدور بكأس اللفظ. على أرباب الألباب فإذا القوم. نشاوى من الثمل، فيصبح حينئذٍ مواقف "تراود فتاها" "فذلكُنَّ الذي لُمْتُنَّني فيه" عبرناكم يا منقطعين، وعلينا أن نرد، لا بد للأمير أن يقف للساقة، عودوا إلى أوكار الكسل، فنحن على نية دخول الفلاة، اسمعوا وصايانا. يا مودعين، إذا جن الليل، فسيروا في بوادي الدجى، وأنيخوا بوادي الذل، واجلسوا في كسر الانكسار، فإذا فتح الباب للواصلين، دونكم فاهجموا هجوم الكذابين وابسطوا كف :وتصدق علينا" لعل هاتف القبول يقول "لا تثريب عليكم اليوم". وإذا جئتـم ثـنـيات الـلـوى *** فلجوا ربع الحمى في خطري وصفوا شوقي إلى سـكـانـه *** واذكروا ما عندكم من خبري واحنيني نحـو أيام مـضـت *** بالحمى لم أقض منكم وطري كلما اشتقـت تـمـنـيتـكـم *** ضاع عمري بالمنى واعمري
|